حديث الإثنين: أمريكا وازدواج المعايير الأخلاقية احمد الشريف 27 حزيران/يونيو 2021
سنظل نؤكد لأمريكا وللنظام السعودي إلى ما لا نهاية بأن الوضع الذي يعيشه اليمنيون اليوم هو وضع مختلف تماما عما تعود عليه خلال الخمسة عقود الماضيةوأن الوعي الوطني الذي أحدثته ثورة 21 سبتمبر في نفوس اليمنيين قد شكل ثورة في حد ذاته وهو ما جعلهم يتدافعون بشكل لم يسبق له مثيل لمواجهة العدوان على بلدهم اليمن والذي تشارك فيه ما يزيد عن سبعة عشر دولة للعام السابع على التوالي من بينها دول كبرى والحفاظ على سيادته واستقلاله وتحرير قراره السياسي من الوصاية الخارجية ، وأنا أكتب هذه الأسطر تذكرت ما كتبه الدكتور محمد علي الشهاري في كتابه "طريق الثورة اليمنية" أن أي ثورة أصيلة وطنية ديمقراطية لهي أحوج ما تكون الى وضع منهاج ثوري يكشف طريق سيرها ويقود خطاها، وينقذها من السير التلقائي والعفوي ومن التخبط العشوائي فالنظرية الثورية هي دليل العمل الثوري ، والثورات الوطنية الأصيلة ليس من طبيعتها أن تخفي عن الشعب أهدافها بحجج دبلوماسية أو خوفا من الرجعية الداخلية والاستعمار، فالشعب صاحب المصلحة في الثورة عندما يعي أهدافها يستطيع الدفاع عنها وحمايتها .
وثورة 21 سبتمبر اكتسبت هذه الأهمية بعد أن برهنت بأنها ثورة وطنية قامت من أجل الشعب وإنقاذه ممن اختصروا أنفسهم في الشعب والوطن ورهنوا قراره السياسي للخارج مقابل ثمن بخس لدرجة أنهم رهنوا أنفسهم في فنادق الرياض وأبوظبي وسمحوا للغزاة أن يحتلوا أجزاء من وطنهم بل ويدافعون عن هذا الاحتلال وقد وصف بعضهم اليمن على الهواء مباشرة في إحدى القنوات الفضائية بأنها تشكل حديقة خلفية للسعودية ودول الخليج بدون حياء أو خجل .. ولذلك ليس من باب الصدفة ولا مما يدخل في قائمة الظواهر الغريبة أن تتعرض اليمن اليوم بعد اندلاع ثورتها الوطنية عام 2014 م لكل هذا الحشد الرجعي الاستعماري الذي يحيط بها منذ سبعة أعوام وأن يخوض الشعب اليمني ممثلا في جيشه ولجانه الشعبية المكونة من الشباب الصاعد غمار معركة وطنية لاهبة ضد تحالف العدوان استثارت وما تزال تستثير اهتمام العالم كله ، فموقع اليمن الاستراتيجي والجغرافي الفريد وخصوبة أرضها وطبيعتها ، ومركزها الحضاري الذي تبوأته بين حضارات العالم القديم كانت وما تزال من العوامل الرئيسية التي أغرت القوى الطامعة فيها وحركت وما تزال تحرك نوازعها إليها.
إن خريطة اليمن الجغرافية والطبيعة التي عرفت بها والتي أجمع المؤرخون والجغرافيون العرب والأجانب منذ العهد الروماني الى العهد العثماني تمتد من عُمان وعدن الشرق والجنوب الى الحدود الجنوبية لنجد والحجاز في الشمال ، وتشكل عسير ونجران أطرافها الشمالية وضمن حدودها يدخل ميناء الليث والقنفذة على البحر الأحمر من جهة الشمال .. وكما تمسك اليمنيون إلى اليوم بحدود بلادهم الجغرافية ويرون فيها إطارا تاريخيا لشخصيتهم الوطنية عبر التاريخ فإنهم ينظرون باعتزاز وفخر إلى حضارتهم القديمة اللامعة والمجيدة ، فهنا على الأرض العربية السعيدة نشأت وتطورت في وقت تاريخي مبكر دول ومؤسسات حسنة التنظيم كمملكة معين وسبأ وقتبان وحمير كما نهضت حضارة عالية معتمدة على مؤسسات للري مستحدثة كسد مأرب الذي يعد أعجوبة من أعاجيب العهد القديم وغيره من السدود العديدة والعظيمة .
وحتى لا تستعيد اليمن مكانتها التاريخية التي تبوأتها بين الأمم وتكون لها الريادة في المنطقة تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب وخاصة جارة السوء السعودية التي أفقدت شعبها هويته الوطنية ونسبته الى الأسرة التي تحكمه وربطت تاريخه بتاريخها الذي لم يصل بعد الى تسعين عاما منذ أسست بريطانيا هذا الكيان الشيطاني في 23 سبتمبر عام 1932 م وأطلقت عليه مسمى المملكة العربية السعودية كخنجر مسموم في ظهر الأمتين العربية والإسلامية لطعنها من الخلف ، وكم هو مؤسف ان تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة عظمى في العالم قيادة العدوان على اليمن تحت مبررات واهية لا يستسيغها عقل ولا منطق وهي التي ساهمت بشكل مباشر في اسقاط النظام الشيوعي في الإتحاد السوفيتي سابقا ودول أوربا الشرقية بحجة الديكتاتورية بل وهي نفسها اليوم تحمي الأنظمة المتخلفة في المنطقة بما فيها السعودية التي ليس لها علاقة بالحرية والديمقراطية وهذه احدى المفارقات التي تبرهن على وجود إزدواج المعايير الأخلاقية ، إن هذا التوجه الأمريكي يعني محاولة الإدارة الأمريكية تمرير الشعارات وتغليب المصالح على القناعات الفكرية حتى لو كانت على حساب الأخلاق وتناقض ذلك مع اخلاقيات الشعب الأمريكي .. وهنا يطرح السؤال نفسه : كيف يمكن لنا أن نفسر اختلاف المعايير التي تتعامل بها السياسة الأمريكية مع الأحداث العالمية وحقوق الإنسان في العالم كما هو حاصل حاليا في اليمن وبلدان أخرى ؟!
إن كثيرا من الدراسات تؤكد ارتفاع نسبة الفساد الحكومي والانحراف بالسلوك في أوساط المجتمع الأمريكي وخاصة بين صفوف الشباب وسببه تناقض الأخلاقيات والدور السلبي لوسائل الإعلام وبالذات التلفزيون والسينما التي افتقدت للتربية الأخلاقية في المجتمع الأمريكي وهذا ماد فع الحكومة الأمريكية ممثلة في وزارتي الخارجية والعدل على حجب مواقع الكترونية تعودت على قول الحقيقة وفضح اكاذيب السياسة الأمريكية ومن تلك المواقع موقع شبكة المسيرة وهو ما يؤكد أن الحرية والديمقراطية في أمريكا شكلية وخير على ذلك دليل موقف الرئيس السابق دونالد ترامب الذي رفض تهنئة منافسه بايدن بالفوز بالرئاسة رغم مرور ثمانية أشهر على اعلان نتيجة الانتخابات بحجة ان الانتخابات مزورة ولم يكتف بذلك فحسب وإنما وصف أمريكا بأنها أصبحت دولة من دول العالم الثالث .