*د. علي موسى الموسوي: صوت العرب – اوسلو.
طرح زمن العولمة سجالات عدة، كانت ثنائية التراث والحداثة أبرزها. خاصة أمام الأطاريح التي انبثقت عن العلاقة الملتبسة بين الإسلام والغرب والتي أنتجت مقولات عدة من مثل: صدام الحضارات ونهاية التاريخ وغيرها من الخطابات الإيديولوجية التي جعلت التجديد أو التحديث مطلبا حضاريا، خاصة بالنسبة للفكر العربي الإسلامي الذي واجه تحديات فكرية عدة؛ تجديد الفكر الديني أبرزها.
من هنا وفي إطار انفتاحه على قضايا الأمة وإشكالاتها المرتبطة بزمن العولمة وما تلاها من أسئلة همت الحقل الديني والعقلانية الحديثة، تشرف المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني باستضافة المفكر"عبد الحسين شعبان"، والذي أشرف رفقة الأمين العام للمجلس ، على تأطير الجلسة الحوارية" دين العقل وفقه الواقع"، وهو عنوان مؤلف المفكر الضيف الذي تناول من خلاله مأزق الدين والتدين في عصر تميز بالتنميط الديني المنتج للإرهاب.
والتطرف والصراعات الإيديولوجية المرتبطة ب"النيوليبيرالية" أو"الليبيرالية الجديدة".
وقدم المفكر "عبد الحسين شعبان" آراءً ووجهات نظر تناولت معظم القضايا الخلافية ، بدءا من الانقسامات الماضوية وصولا إلى الأوضاع المأزومة حاليا. في مناظرة مع الفقيه الإسلامي السيد أحمد الحسني البغدادي عكست هموم الأمة هموم الأمة بعيدا عن الإنتصار للرأي والانحياز للذات. مع معالجة جريئة للصراع القائم بين دعاة التحديث والمدافعين عن نموذج تراثي عجز عن التجاوب مع معطيات العصر وقضياه الكبرى، من مثل: الديموقراطية، التنمية، الإصلاح، الثورة التكنولوجية. وهي القضايا التي اعتبرت محل خلاف بين الحداثيين والفقهاء الدينيين. خلاف شكل لسنين عدة مصدر حرب مفتوحة أمام المفكر الحداثي والفقيه الديني.
وهذا ما جعل من مؤلف المفكر "عبد الحسين شعبان"، مقاربة حداثية عكست الوجه المنير للحداثي وللفقيه أيضا. لنستشف نحن أن اللقاء بين التراث والحداثة ممكن، متى كانت الغاية واحدة، وهي الإصلاح والالتحاق بالركب الحضاري، وتنزيل قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان عوض الارتكان إلى الطوباوية والانغلاق على الذات، مما ساهم في تكريس ثقافة التقليد وحالة الجمودالفكري.
ولأن رهان المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني، ربط جسور المحبة والإخاء مع الأخر، عبر الحوار الداخلي أولا، فما كان لنا أن نتجاوز هذا الإشكال الذي يعتبر من معيقات تحقق نهضة نجاري بها هذا الانفجار المعرفي والتكنولوجي الذي يعتبر من
مقومات التحضر والتقدم. لهذا سعدنا باستضافة المفكر/البروفيسور "عبد الحسين شعبان" : أولا، احتفالا بإنتاجه الفكري المميز.
وثانيا، للاستفادة من تجربته الحداثية التي شاكست الفقيه والفقه ليس جرأة على الدين، بقدر ما هي جرأة فكرية تهدف التجديد من داخل التراث والفقه الدينين.
وقد حظيت هذه الجلسة باهتمام وسائل الإعلام الدولية، باعتبارها خطوة بناءة لوقوفها عند مقاربة حداثية وموضوعية لموضوع من الصعب الحياد فيه. كما حضر الجلسة نخبة هامة من المفكرين ورجال الدين والديبلوماسيين وعددا من الجالية العربية وممثلي التنوع الديني والثقافي بالعاصمة أوسلو، إلى جانب مشاركة الدكتورة بشرى اقليش، رئيسة المنتدى المغربي لتحالف الحضارات وحوار الديانات ورئيسة المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني فرع
المغرب. وقد أغنى الحضور الكريم والمتدخلين الجلسة بمداخلات وأسئلة تمحورت حول:
التراث والحداثة، وآليات قراءة النص الديني القرآني، قراءة حداثية تجعل منه نصا محاورا لاحتياجاتنا، إلى جانب آليات بناء وعي خلاق قادر على عقلنة الظواهر الدينية.
وقد أبدع ضيف المجلس الكريم استنادا إلى موسوعيته المعهودة وتحليله الفينومينولوجي، سواء على مستوى الطرح أو على مستوى التفاعل مع الأسئلة والإشكاليات المطروحة.
وقد واكب حضور البروفيسور عبد الحسين شعبان إلى أوسلو، أنشطة عدة قام بها رفقة الأمين العام للمجلس، شملت لقاءات وحوارات مع أبرز نشطاء الحوار وعبر منظمات عدة تنشط لأجل تنزيل قيم السلم والتعايش والعالم يراهن على المشترك الإنساني لأجل تجاوز
واقع الحروب والصراعات.
ومن ضمن أبرز اللقاءات، كان لقاء السيد نائب رئيس بلدية أوسلو، الذي أكد بدوره نجاح المدينة والنرويج عموما في احتواء كل الاختلافات الدينية والثقافية، ما عزز قيم السلم والتعايش. الأمر ذاته أكده الفاعلون في المجال من مثل أعضاء مركز التنوع الديني والثقافي بمدينة Drammen وأيضا مدير مركز السلام السلام الدولي.
وإيمانا منه بأهمية المؤسسات الدينية في إنجاح مبادرات السلم والتعايش، حرص السيد الأمين العام للمجلس على إغناء هذه الجولات القيمة، بزيارات لأبرز المؤسسات الدينية بأوسلو:(مساجد،كنائس،دور عبادة...)،إيمانا منه بدورها وأهميتها في نشر الإعتدال
والمفاهيم الإنسانية النبيلة الكفيلة بسد فجوات الصراع.
وقد اختتمت هذه الجولات الإنسانية، بزيارة إلى متحف نوبل للسلام بأوسلو، الذي يضم قاعة خاصة بالشخصيات المؤثرة الحاصلة على جوائز نوبل للسلام.وهنا كانت وقفة إنسانية استشعر فيها الجميع أهمية شيوع ثقافة السلم والسلام ودورها في صون كرامة الإنسان
وقيمته.
وتأتي دائما هذه الأنشطة في إطار فلسفة المجلس القائمة على المساهمة في تدبير الإختلافات عبر الانفتاح على كل ما يساعد على تنزيل القيم الإنسانية إلى الواقع باعتبارها مطلبا كونيا والعالم يعيش على إيقاع الحروب والتناحرات الإيديولوجية.
*الأمين العام للمجلس الدولي للحوار الديني والإنساني (النرويج)
أرسلت بواسطة: أدارة الموقع | التاريخ: 09-09-2022 | الوقـت: 01:15:20 مساءا |
|