لوضع الأمني الإقليمي للعراق في ظل مخططات التقسيم والضغط الخارجي - بقلم الدكتور قاسم الحطاب
في ظل الصراعات المتشابكة التي يشهدها الشرق الأوسط، يبرز العراق كأحد أكثر البلدان تأثرًا بتلك التحولات، لا سيما في بعدها الأمني. فقد بات واضحًا أن العراق ليس مجرد طرف متلقٍّ للتداعيات الإقليمية،
بل هو هدف مباشر لسياسات التقسيم والهيمنة التي تمارسها قوى دولية وإقليمية، في مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل. وتُستخدم لتحقيق ذلك وسائل متعددة، من أبرزها الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، والمخيمات الحدودية كساحة للتجنيد والتحريك، وأدوات الضغط السياسي والاقتصادي.

أولًا: الاستهداف الأمني للعراق ضمن المشروع التفتيتي

منذ عام 2003، دخل العراق في دوامة من الفوضى الأمنية التي لم تكن وليدة الداخل فقط، بل نتيجة هندسة إقليمية دولية تسعى إلى تفكيك الدولة العراقية، وإعادة تشكيلها على أسس طائفية وعرقية. ويتجلى هذا المشروع في عدة محاور:
 • دعم الجماعات المتطرفة تحت مسميات مختلفة، لإضعاف مؤسسات الدولة وتشتيت قدراتها العسكرية.
 • إدارة مخيمات حدودية كمخيم الهول السوري، الذي بات خزانًا بشريًا للتطرف، تديره أطراف استخباراتية غربية وتركية، ويتم من خلاله إعادة تصدير الإرهاب إلى الداخل العراقي.
 • الاستهدافات المتكررة للسيادة العراقية عبر الضربات الجوية أو استغلال الخلافات السياسية الداخلية.
 • تعزيز النزعات الانفصالية في بعض المناطق، بما ينسجم مع مشاريع التقسيم مثل “خريطة الشرق الأوسط الجديد”.
ثانيًا: مخيم الهول والجماعات الإرهابية كأداة ضغط

يعد مخيم الهول الواقع في شمال شرق سوريا، أبرز ساحة لإعادة تدوير الإرهاب في المنطقة، حيث تشير تقارير دولية إلى وجود آلاف من العناصر المتطرفة من مختلف الجنسيات، تُدار بغطاء أمريكي، وبشراكة ميدانية مع قوات محلية كـ”قسد”.

وقد أثبتت الوقائع أن:
 • كثيرًا من العمليات الإرهابية داخل العراق كان منفذوها قد تسرّبوا من هذا المخيم.
 • هناك تساهل متعمد في ضبط حدود سوريا–العراق، مما يسهّل تحريك هؤلاء العناصر باتجاه الأنبار ونينوى وكركوك.
 • الوجود الأمريكي في قواعد سوريا، خاصة قاعدة التنف، لا يهدف لمحاربة الإرهاب بقدر ما يعيد توظيفه سياسيًا وأمنيًا في خدمة أهداف التقسيم والابتزاز الإقليمي.
ثالثًا: إسرائيل والولايات المتحدة في مشروع تفتيت العراق
من خلال مراجعة السياسات المعلنة والسرية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه العراق، يظهر بوضوح أن هناك نية استراتيجية لإبقائه ضعيفًا ومجزأً:
 • إسرائيل تنظر إلى وحدة العراق كتهديد لمشروعها التوسعي، وتسعى لتفكيك النسيج المجتمعي العراقي عبر دعم الحركات الانفصالية وافتعال الفتن.
 • الولايات المتحدة تستخدم استراتيجية “الفوضى الخلّاقة” من خلال تدخلات عسكرية وسياسية واقتصادية تمنع نهوض دولة عراقية قوية مستقلة القرار.
 • هناك تنسيق غير معلن بين تل أبيب وواشنطن في ملفات ضرب البنى التحتية الأمنية، واستهداف مواقع فصائل المقاومة العراقية.
رابعًا: تركيا وأدوارها المزدوجة
تركيا بدورها تلعب دورًا معقدًا ومزدوجًا في الملف العراقي، فهي:
 • تدخل عسكريًا في شمال العراق بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، لكنها تكرّس واقعًا أمنيًا هشًا واستنزافًا لسيادة العراق.
 • تدعم جماعات مسلحة في الشمال السوري، كثير منها على صلة بعناصر متطرفة تمارس أنشطة إرهابية داخل العراق.
 • تُستخدم أحيانًا كأداة في المشروع الأمريكي لضبط توازنات النفوذ في المناطق الحدودية.
خامسًا: سبل المواجهة والاستقلال الأمني
أمام هذا المشهد المعقد، يملك العراق أدوات استراتيجية لصدّ هذا الاستهداف:
 1. إعادة بناء العقيدة الأمنية العراقية على أسس وطنية خالصة، لا على الولاءات الخارجية.
 2. تنسيق أمني مباشر مع سوريا وإيران ولبنان، دون وسطاء دوليين، للحد من تسلل الإرهاب وضبط الحدود.
 3. إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، خاصة الأمريكية، لأنها تمثل مصدر عدم استقرار استراتيجي.
 4. إغلاق ملف مخيم الهول من خلال ضغط دبلوماسي وأمني وإعلامي دولي، باعتباره خطرًا وجوديًا على المنطقة.
 5. دعم محور المقاومة إقليميًا، كونه أحد أدوات الردع القادرة على تحجيم المشروع الصهيو–أمريكي.
إن العراق اليوم يقف في قلب صراع إقليمي–دولي، تتصارع فيه المشاريع الكبرى، ويُستهدف فيه مباشرة كساحة، وكهوية، وكدولة. وما يجري من تحريك للجماعات الإرهابية، وإدارة مخيمات حدودية، ودعم النزعات الانفصالية، ليس إلا أدوات في مشروع أكبر يرمي إلى تفكيك العراق وتحويله إلى دولة ضعيفة فاقدة للقرار السيادي. غير أن وعي العراقيين، وقوة محور المقاومة، وتماسك الجبهة الداخلية، تمثل الأمل الواقعي في إفشال هذه المخططات واستعادة السيادة الوطنية الكاملة
2025-08-11 08:38 AM2336