دور دول الخليج في دعم الاستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط ... بقلم دكتور قاسم الحطاب
شهدت منطقة الشرق الأوسط منذ مطلع القرن الحادي والعشرين تحولات عميقة في بنيتها السياسية والأمنية والاقتصادية، كان أبرزها سقوط النظام العراقي عام 2003، والربيع العربي عام 2011، وصعود حركات المقاومة في العراق ولبنان واليمن. في خضم هذه التحولات، برزت بعض دول الخليج العربي – وفي مقدمتها السعودية والإمارات – كركائز أساسية في المنظومة الأمنية الأمريكية،
وكقنوات للتطبيع السياسي والاقتصادي مع إسرائيل. وقد أصبح هذا الدور أكثر وضوحاً بعد اندلاع الحرب على غزة عام 2023، التي مثّلت منعطفاً حاسماً في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية.
أولاً: الأبعاد الجيوسياسية للدور الخليجي
تستند العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة إلى ثلاثة مرتكزات رئيسية:
1. الأمن والردع: اعتماد هذه الدول على المظلة الأمنية الأمريكية لحماية أنظمتها من التهديدات الإقليمية، خصوصاً إيران وحركات المقاومة.
2. الاقتصاد والطاقة: ارتباط أسواق النفط والغاز بالولايات المتحدة والغرب، وتوظيف العائدات في مشاريع مشتركة تُعزز النفوذ الغربي في المنطقة.
3. الشرعية الدولية: حاجة الأنظمة الخليجية إلى الغطاء الأمريكي لتثبيت استقرارها السياسي الداخلي ومواجهة أي ضغوط خارجية.
هذه المرتكزات جعلت بعض دول الخليج تنظر إلى إسرائيل كحليف استراتيجي محتمل، بحكم تفوقها العسكري والتقني، وتلاقي مصالحها مع الولايات المتحدة في مواجهة قوى المقاومة.
ثانياً: التطبيع الخليجي الإسرائيلي
شهدت السنوات الأخيرة تسارعاً في خطوات التطبيع العلني، خاصة بعد توقيع “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، التي مثّلت تحولاً جوهرياً في العلاقات العربية–الإسرائيلية. فبينما كان التطبيع سابقاً يجري خلف الأبواب المغلقة، أصبح اليوم جزءاً من الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي لبعض دول الخليج. وتستفيد إسرائيل من هذا المسار عبر:
• كسر عزلتها الإقليمية.
• فتح أسواق جديدة لمنتجاتها العسكرية والتكنولوجية.
• إضعاف مركزية القضية الفلسطينية في الوعي العربي.
ثالثاً: الحرب على غزة ومعادلات ما بعد “الطوفان”
جاءت عملية طوفان الأقصى (2023) وما تبعها من حرب إبادة إسرائيلية على غزة لتكشف حدود هذا التحالف الخليجي–الأمريكي–الإسرائيلي. فبينما أظهرت الشعوب العربية تعاطفاً واسعاً مع فلسطين، التزمت بعض الأنظمة الخليجية الحياد المعلن، بل ومارست ضغوطاً لوقف أي تصعيد إقليمي قد يهدد مصالحها. غير أن الحرب أثبتت أن المعادلات الجيوسياسية في المنطقة تتغير:
• تراجع الهيمنة الأمريكية: فشل الولايات المتحدة في حماية إسرائيل من الضربات الصاروخية والمسيّرات، وفي ضبط حلفائها.
• صعود محور المقاومة: من لبنان واليمن والعراق وإيران، مما أضعف قدرة الخليج على فرض أجندته منفرداً.
• إعادة تعريف الشرعية الإقليمية: حيث ارتبطت بشرعية المقاومة أكثر من شرعية التحالف مع واشنطن.
رابعاً: اليمن كحالة نموذجية للصراع الخليجي
يمثل اليمن نموذجاً صارخاً لدور الخليج في خدمة الأجندة الأمريكية والإسرائيلية. فمنذ عام 2015، شنّ التحالف بقيادة السعودية حرباً مدمّرة على اليمن بحجة “إعادة الشرعية”، لكنها في جوهرها سعت إلى:
• منع قيام قوة إقليمية مستقلة تهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في باب المندب والبحر الأحمر.
• إضعاف حركة أنصار الله التي رفعت شعار مقاومة إسرائيل وأمريكا.
• تأمين الممرات البحرية الدولية بما يخدم التجارة العالمية والنفوذ الغربي.
غير أنّ صمود اليمن وتحوله إلى قوة ردع إقليمي أربك الحسابات الخليجية، وأظهر حدود القوة العسكرية في مواجهة حركات مقاومة ذات حاضنة شعبية.
الخاتمة
يتضح من تحليل الدور الخليجي في المرحلة الراهنة أن بعض دول الخليج لم تعد مجرد تابع للسياسة الأمريكية في المنطقة، بل تحولت إلى شريك فاعل في استراتيجياتها، بما في ذلك دعم إسرائيل ومشاريعها. غير أن التحولات الجيوسياسية بعد حرب غزة وصعود قوى المقاومة في اليمن ولبنان والعراق تُشير إلى أن هذا الدور يواجه تحديات متنامية، قد تعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية في السنوات القادمة