تأخر رواتب الموظفين في العراق: بين سوء الإدارة المالية واستشراء الفساد / كتب الدكتور قاسم الحطاب
يشهد العراق منذ سنوات أزمات مالية متكررة أثرت بشكل مباشر على انتظام دفع رواتب الموظفين في القطاع العام، الذين يشكلون الشريحة الأكبر من القوى العاملة في البلاد. ومع أن العراق يُعد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية، لا سيما النفط، إلا أن المشاكل الإدارية والفساد المالي عطلت الاستفادة الفعالة من هذه الموارد.
أولاً: سوء الإدارة المالية
 1. غياب التخطيط المالي طويل الأمد:
تتسم السياسة المالية في العراق بالارتجالية وغياب الخطط الاستراتيجية، مما يؤدي إلى عدم وجود احتياطات مالية لمواجهة الأزمات الطارئة.
 2. الاعتماد المفرط على إيرادات النفط:
يشكل النفط أكثر من 90% من إيرادات الدولة، ما يجعل الموازنة العامة هشّة أمام تقلبات أسعار النفط العالمية.
 3. ضعف الكفاءة في إعداد وتنفيذ الموازنة العامة:
كثيرًا ما تتأخر الحكومة في إقرار الموازنة السنوية، ما يعرقل عمليات الصرف والدفع ويؤخر الرواتب.
 4. تضخم النفقات التشغيلية:
يتم إنفاق أكثر من 70% من الموازنة العامة على الرواتب والمخصصات، ما يترك هامشًا ضيقًا للاستثمار والإصلاح.
ثانياً: الفساد المالي والإداري
 1. استنزاف المال العام عبر الرواتب الوهمية (“الفضائيين”):
تشير التقارير إلى وجود آلاف الموظفين “الفضائيين” الذين يتقاضون رواتب دون أن يؤدوا مهامًا فعلية، ما يزيد من الأعباء المالية على الدولة.
 2. تهريب المال العام عبر العقود الوهمية والمشاريع غير المكتملة:
تُمنح عقود بمبالغ طائلة لشركات مرتبطة بمسؤولين متنفذين، وغالبًا ما تُنفذ هذه المشاريع جزئيًا أو لا تُنفذ أبدًا.
 3. غياب الشفافية في آليات صرف الرواتب:
لا توجد قواعد محاسبية واضحة وموثوقة تحدد الأولويات في صرف الرواتب، مما يفتح الباب أمام التلاعب والتأخير المتعمد
ثالثاً: الآثار الاجتماعية والاقتصادية
 • زيادة معدلات الفقر والبطالة:
يعتمد ملايين العراقيين على رواتبهم كدخل رئيسي، وتأخيرها يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر والعوز.
 • ضعف الثقة بين المواطن والدولة:
تفقد الحكومة شرعيتها في نظر المواطنين عند عجزها عن الإيفاء بأبسط التزاماتها.
 • الهجرة الداخلية والخارجية:
يدفع الإحباط المتراكم العديد من الكفاءات إلى مغادرة البلاد بحثًا عن فرص أكثر استقرارًا.
 1. إصلاح النظام المالي والإداري من خلال أتمتة الرواتب وإلغاء التكرار والوظائف الوهمية.
 2. تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، بتطوير القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة.
 3. مكافحة الفساد بفعالية عبر تفعيل دور الهيئات الرقابية وتطبيق العدالة.
 4. ضمان الشفافية والمساءلة في إعداد وتنفيذ الموازنة العامة.
 5. تطوير كفاءة إدارة الدولة عبر التدريب والتأهيل وبناء المؤسسات على أسس مهنية.
إن تأخر صرف الرواتب ليس مجرد خلل مالي، بل هو انعكاس عميق لأزمة حوكمة وهيكل اقتصادي غير منتج. والإصلاح الحقيقي لا يكمن في ترقيع مؤقت، بل في مواجهة جذرية للفساد وسوء الإدارة، وبناء اقتصاد وطني قادر على ضمان حقوق المواطنين في الاستقرار المالي والاجتماعي
2025-06-30 11:09 PM1580