العراق.. الأرض المقدسة التي فرّقتها المصالح - بقلم: [دكتور قاسم الحطاب]
منذ أن وُجدت الحضارة على ضفاف دجلة والفرات، ظل العراق نقطة التقاء الأمم، ومهدًا للحضارات الإنسانية الأولى، وموطنًا للأديان السماوية والثقافات المتعددة. لقد كان العراق وما زال، أرضًا مقدسة اجتمعت عليها الشعوب وتعايشت فيها الأعراق والديانات والمذاهب، حتى أصبح صورة مصغّرة للعالم، لكنه في الوقت ذاته يعاني من تشرذمٍ داخلي مزمن.
إن التعددية التي كانت في فترات التاريخ مصدر غنى وقوة، تحوّلت بفعل السياسات الفاشلة، والتدخلات الخارجية، والصراعات الداخلية، إلى عامل انقسامٍ وتهديدٍ لوحدة العراق واستقراره. فالصراع في العراق لم يكن يومًا ذا بُعدٍ واحد، بل تنوّعت أشكاله بين صراعات مصلحية على الثروات، وأخرى عقائدية بين المذاهب والطوائف، وثالثة أيديولوجية تتعلق بالتوجهات الفكرية والسياسية.

لقد خسر العراق الكثير من خيراته بسبب هذه الانقسامات، التي كانت تغذّيها أطراف داخلية وخارجية، تبحث عن مكاسبها ولو على حساب الوطن والمواطن. فمن النفط إلى الزراعة، ومن التعليم إلى الصحة، كلّها قطاعات استُنزفت في دوامة الصراع على النفوذ والسلطة.

ورغم أن الشعب العراقي أثبت في أكثر من محطة تاريخية قدرته على تجاوز المحن، إلا أن الانقسام المجتمعي ما زال يحول دون بناء دولة مدنية عادلة، تتجاوز الطائفية والمحاصصة وتؤسس لمستقبل يستوعب الجميع على أساس المواطنة لا المذهب، وعلى أساس الكفاءة لا الولاء.

العراق اليوم بحاجة إلى مشروع وطني شامل، يعيد الاعتبار لهويته الجامعة، ويعالج جراحه المتراكمة، وينقل الخلاف من الشارع إلى الحوار، ومن المصالح الضيقة إلى المصلحة العامة. إن الأرض التي أنجبت العظماء من الأنبياء والأئمة لا تستحق إلا أن تكون وطنًا موحدًا، كريمًا، آمنًا، وعادلاً لكل أبنائه
2025-07-09 10:55 AM2520