لبنان وقرارات الحرب والسلم والدفاع / شوقي عواضة صحيفة البناء
بدأت معاناة لبنان مع العدوّ الاسرائيليّ منذ نشوئه والشّواهد التّاريخيّة كثيرة على إجرام وإرهاب هذا العدوّ الذي تأسّس على القتل والذّبح وارتكاب المجازر واحتلال ومصادرة الأراضي الفلسطينيّة وتهجير أبنائها واعتقال شبابها واعتماده السّياسات التوسعيّة باتجاه دول الجوار من لبنان إلى سوريا والأردن بداية.
فالكيان اللّقيط الذي لا حدود له ولا حدود لطموحات قادته من المؤسّس هرتسل إلى بن غوريون مروراً بمناحيم بيغين وإسحاق رابين وشيمون بيريز وصولاً إلى الإرهابي بنيامين نتنياهو بالرّغم من انقسامهم بين صقور وحمائم كما يسمّون أنفسهم إلّا إنّه في العقيدة الصّهيونيّة لا يوجد حمائم بل صقور تلتزم ببروتوكولات الصّهيونية والتّعاليم التّلموديّة التي تعتبر أن كلّ من هو غير يهودي هو (غوييم) أي من البهائم التي خلقها الله وسخّرها لخدمتهم. ولليوم لا زال هذا العدوّ الإرهابي ينتهج نفس القواعد الإرهابيّة والعنصريّة وسياسته التوسعيّة بدعمٍ أمريكيٍّ وغربيٍّ مطلقٍ بحقّ الشّعب الفلسطيني وبحقّ لبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران. ففي العام 1948 شنّت عصابات الهاغاناه وشتيرن الصّهيونيّة هجوماً على الأراضي اللّبنانيّة مخترقة الحدود الجنوبيّة للبنان ضمن عمليّة حيرام بتاريخ 29 تشرين الأوّل واحتلّت نحو 15 قرية وارتكبت مجزرة في بلدة حولا الحدوديّة سقط ضحيتها 93 مواطناً لبنانيّاً حينها أرسل المرجع السّيد عبد الحسين شرف الدين رسالة إلى رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة حينها بشارة الخوري جاء فيها:
وحسبنا الأن نكبة جبل عامل هذا الجبل الأشمّ الذي يدفع ما عليه من ضرائب ولا يعطى ما له من حقوق وكأنّه الشّريك الخاسر جبل عامل المرابط يدفع جزية الدّم لشذّاذ الآفاق من كل مَن لفظته الأرجاء ونبذته السّماء، فإن لم يكن من قدرة على الحماية أفليس من قدرة على الرّعاية وإن قرأتم السّلام على جبل عامل فقل السّلام على لبنان.
رسالة السّيد شرف الدين في عام 48 هي رسالة الجنوبيّين اليوم لم تتغيّر ولم تتبدّل فهي الرّسالة التي عمدت بدماء شهداء المقاومة وقادتها وسادتها وجراحتها وأسراها وبيئتها التي بذلت كلّ غال ونفيس من أجل أن يبقى لينا حرّاً سيّداً ومستقلاً بقوّته ومقاومته التي حرّرت الأرض من الاحتلال الاسرائيلي والعدو التّكفيري. تلك القوّة التي حطّمت مقولة العدوّ الاسرائيلي الذي كان يقول بإستطاعتنا أن نحتلّ لبنان بفرقةٍ موسيقيّة. لبنان هذا الذي أصبح عصيّاً على العدوّ الاسرائيلي بمعادلته الذّهبيّة الجيش والشّعب والمقاومة لم يمتلك في يوم من الأيّام قرار الحرب والسّلم ولم يبادر إلى عمليّة اجتياح لكيان العدوّ كما حصل عامي 1978 و 1982 لبنان لم يصادر أراض ولم يعتقل مواطنين ولم يرتكب مجازر بل إنّ لبنان يمتلك حقّ الدّفاع عن نفسه وهو حقّ مشروع في كلّ الأديان وكلّ الدّساتير والقوانين الوضعية. ولمن يشغل نفسه بمتاهة من يملك قرار السّلم والحرب في لبنان المقاومة أو الدّولة نقول إنّ العدوّ الاسرائيليّ هو من يملك قرار الحرب والسّلم أمّا لبنان بدولته ومقاومته وشعبه فهو لا يملك ذلك القرار بل يملك حقّه بالمقاومة والدّفاع عن سيادته وتحرير أراضيه وأسراه. ولولا تلك المقاومة التي لا زالت ترعب العدوّ الاسرائيلي وتقف في وجه مشاريعه التّوسعيّة لما رأينا الموفدين الأميركيين ولا الغربيين يتهافتون للبحث في نزع سلاح المقاومة استجابة للعدو الذي يطالب بنزع السّلاح الذي دمّر منه نسبة80 بالمئة. فإذا كان العدوّ قد دمّر تلك النّسبة وفقاً لادعاءاته فما هو السّلاح الذي يريد انتزاعه؟ ولماذا كلّ هذا الرّعب من المقاومة التي ادعى العدوّ هزيمتها؟ وهل إنّ الموفد الأميريكي توماس باراك أتى ليفاوض على سلاحٍ مدمّر؟ أم المطلوب تطويع لبنان وإدخاله في الزّمن (الاسرائيلي) وإبقاؤه كياناً هشّاً وضعيفاً مجرداً من أي سلاح وقوة؟ ومن يعتقد بأنّ أمريكا والكيان توافق على قيام دولةٍ لبنانيّةٍ قويةٍ وقادرةٍ على مواجهة وصد الاعتداءات الاسرائيليّة فهو واهم ومن يعتقد بأنّ الاحتلال يقاوم بالدّيبلوماسيّة ويجبره على الانسحاب فهو متوهم فلا ديبلوماسيّة تحرّر أرضاً ولا قرارات الأمم توقف اعتداءات العدوّ رغم وجود اتفاق لوقف إطلاق النّار ولا الانحناء للأمريكي يصنع سيادة. فقط بالمقاومة وحدها يستطيع لبنان القوي تحقيق كلّ ذلك وما نشهده اليوم خير شاهد على ما أقول.