القصة الأولى قناع المدينة ... من مجموعة الرجل الذي باع ظله ... بقلم جليل هاشم البكاء
في زاوية بعيدة من العالم، كانت هناك مدينة تدعى مدينة الأقنعة. لم يكن الدخول إلى هذه المدينة أمرًا سهلًا؛ فكل زائر كان عليه أن يرتدي قناعًا بمجرد عبوره البوابة الكبرى. الأقنعة لم تكن مجرد زينة، بل قانونًا صارمًا فرضه مجلس المدينة منذ عقود طويلة، بحجة الحفاظ على السعادة العامة ...
الأقنعة مبهرة، بألوان زاهية وابتسامات عريضة لا تنطفئ. في مدينة الأقنعة، لم يكن أحد يبكي، ولم يكن أحد يتشاجر، فالجميع كانوا سعداء. لكن، خلف الأقنعة، كانت العيون تكشف عن شيء آخر: قلق، تعب، وربما غضب مكتوم.
في أحد الأيام، وصل شاب غريب إلى المدينة. كان يحمل حقيبة صغيرة ووجهًا مكشوفًا. أثار ظهوره استغراب الحراس عند البوابة ...
أين قناعك؟ سأله الحارس الأول بصرامة.
لا أحتاج قناعًا، وجهي يكفي، أجاب الشاب بابتسامة خفيفة.
لم تكن الإجابة كافية. أُجبر على ارتداء قناع مزيف لكي يسمح له بالدخول ...
جال الشاب في المدينة ورأى المشهد المثير للدهشة: رجال ونساء يضحكون بصوت عالٍ في المقاهي، أطفال يلعبون بسعادة مفرطة في الحدائق، والباعة ينادون على بضائعهم بابتسامات لا تنتهي. لكن شيئًا ما لم يكن طبيعيًا ...
قرر الشاب الجلوس مع أحد الباعة وسأله:
كيف يبدو العيش هنا؟
ابتسم البائع من خلف قناعه، وقال بصوت مملوء بالحذر: إنه رائع! نحن أسعد مدينة في العالم ...
لكن عينَي البائع لم تبتسما.
في الليل، وبينما كانت المدينة تغرق في صمت ثقيل، تسلل الشاب إلى زقاق ضيق خلف أحد البيوت. هناك، رأى شيئًا صادمًا: مجموعة من الأشخاص جالسين على الأرض، وقد خلعوا أقنعتهم. وجوههم شاحبة ومرهقة، وكانت أصواتهم منخفضة، كأنهم يخشون أن يسمعهم أحد.
من أنتم؟ سأل الشاب.
نحن من تجرأنا على خلع الأقنعة. لكننا ندفع الثمن: العزلة والخوف من العقاب. أجابت امرأة عجوز ...
اكتشف الشاب أن الأقنعة كانت أداة لقمع المشاعر الحقيقية. المدينة لم تكن سعيدة، بل كانت غارقة في إنكار ذاتها.
في اليوم التالي، وقف الشاب في ساحة المدينة الرئيسية. خلع قناعه أمام الجميع وصرخ:
السعادة ليست قناعًا! السعادة هي أن تكون حرًا في أن تحزن، أن تغضب، أن تشعر بكل ما في قلبك ...
أثار صراخه حيرة وقلق سكان المدينة. بعضهم خلع أقنعته في لحظة جرأة، بينما تردد آخرون، خائفين من العواقب ...
لم تُغير المدينة قوانينها فورًا، لكن شيئًا ما بدأ يتحرك في قلوب الناس. بدأت الأقنعة تسقط تدريجيًا، وبدأت المدينة ترى وجوهها الحقيقية لأول مرة منذ عقود ...
الحكمة التي خلفها الشاب كانت واضحة: السعادة الحقيقية لا تحتاج إلى قناع، بل تحتاج إلى شجاعة لاحتضان الحقيقة .