رخاوة الفكر المقاصدي من حيث موضوعاته ومسائله المتداولة دون استيعاب هموم ومشاغل الخطاب العقلاني في الأصيل والحديث، وليس المأصول والمحدوث، لرجحان صيغة "فعيل" على "مفعول" في البراغماتية العربية بيانا وتبيينا، ظاهرة للخبير غائبة عن البهاليل. فالعقلانية تراكمية لها مبتدأ وخبر، فلا يُعاد إنتاجها بأثر رجعي من المُحدَث، مع عدم انقضاء التّلبُّس باللاّعقلانية. وهذه واحدة من المباحث التي غابت عن المقاصديين الجدد، لم يقشعوا منها طيفا ولا عبرت مخيالهم هنيهة ، مكتفين بما تبسّط و"تسنطح" من محصول غير محقق أو منخول.
وهاك شذرات من ذلك موجزة، واحد من أغراض هذه النزهة المختصرة، بيان خلو المقاصد المتلعلعة في "لافوار" سُرّاق الله، من صنعة الأصول المحققة، وثاني أغراضها فتح أفق لمزيد من تنمية القول في المشتق.
وبيانه:
إنّ علاقة الذّات بمحمولاتها المحتملة من الصفات الواردة عليها انتزاعا، سواء الذاتية المقومة لماهيتها أو العرضية أو الاعتبارية المنتزعة من التوافقات العُقلائية، ومدخلية ذلك في تشخيص حال المُكلّف إزاء الحكم الشرعي، كل هذا يثير نزاعا تعقيديا، لا يمكن اعتباره ضربا من التجريد، بل إنّه حصيلة تعقيد واقعي لا يُلمس إلاّ بتظافر زوايا النظر، ونظرا لغنى ثمراته العملية. مرة أخرى تظهر الحاجة إلى عبر-مناهجية، تدرس مدى حقيقة ما تلبّس بالمبدأ. وسنجد أنّ التغاضي عن هذه الفريدة في منطق الأصول، قد يوقع في مُلابسات شتّى.
فلقد اعتاد الأصولي على تمييز المُشتق النحوي عن المشتق الأصولي، لما بين المفهومين من علاقة عموم وخصوص من وجه. وأُوثر إطلاق النحوي عليه هنا بدل اللّغوي، لأنّ النحو كالمنطق كالأصول، من حيث الاشتراك في غرض عام، من حيث هي صنائع صائنة عن الخطأ، صيانة النحو لسان المتحدث، وصيانة المنطق فكر النّاطق، وصيانة الأصول عملية استنباط الأصل والوظيفة وتدبير الأدلة الأربعة في مقام النوازل، فتأمّل.
ومع أنّ النقاش في البدء لم يتجاوز المثالين: المشتق النحوي والمشتق الأصولي، حيث الأول يقابل الجامد والثاني يعني التلبس بالمبدأ، إلاّ أنّني لا زلت أعتقد أنّ غياب الاختزال المنطقي، جعلنا نتجاهل المشتق الرياضي( la dérivée)، الذي قد يفيد في بعض فصول النزاع، بل في جوهر حساب تغير قيمة الدّالة، لا سيما في موضوع إسم الزمان، حين يُحمل على الزماني لا الزّمان، فضلا عن أنّ كلّ قضية يمكن أن نُقاربها كدالّة رياضية. فالتلبس بالمبدأ أصوليا هو في جوهره دالّة، من حيث ضبط التّلبس هو في مقام حساب قيمة التغير اللّحظي في دالّة. فمخرجات محمولات دالّة من خلال حساب محمولات مُدخلاتها، هي مثال لمُدخلات ومُخرجات ما يمكن أن نصفه بالمشتق كدالّة أصولية. فالذات في المشتق الرياضي، مثلا لا تنمحي عند انقضاء التلبس بالحركة، لا أقصد انقضاء آناة الزمن، لضرورة أنه ماهية متصرّمة بالطبع، بل حتى مع رسوّ المتحرك، تنحفظ الذّات. فيما حَمْل إسم الزمان في المقام على زمانيٍّ، واضحة هنا، فيجري عليها التلبّس بالمبدأ.
لا ينطبق المشتق الأصولي على سائر هيئات المشتق النحوي، والعلاقة التي بينهما على نحو العموم والخصوص من وجه، تظهر في كون المشترك بينهما في هيئة إسم الفاعل وحملها على الذات، وخروج المصدر المجرد أو المزيد، فهما لا يُحملان على الذات البتّة، وإن كانا مشتقين نحويان في الجملة، نقول في الجملة لتفصيل في المقام قديم بين البصريين والكوفيين حول ما هو الأصل: الفعل أم المصدر؟ فالكوفيون اعتبروا المصدر مشتقا من الفعل نظرا لتبعيته للفعل في الصحة والاعتلال، بينما ذهب البصريون إلى اعتبار المصدر كما تدل التسمية مصدرا لصدور الفعل، وحجتهم أنّ المصدر يشير إلى زمان مطلق بينما الفعل يدل على زمن خاص. وهناك تفاصيل حول ما إذا كان حقا الفعل، يدل على زمن مخصوص أم على فعل منجز في الخارج.
وعليه، يتضح من هنا أنّ المشتق الأصولي يجري في موارد حمل الصفة على الذات مضاف إليه أن يكون حاكيا عنها، وأن لا يكون الحمل ذاتيا ينجم عنه ارتفاع الذات حين انقضاء الصّفة. فشرط جريان المشتق الأصولي أن لا يكون التلبس ماهويا أو مقوما للذات، بحيث يؤدي انقضاء التلبس إلى انحلال الماهية.
إنّ علاقة العموم والخصوص من وجه، ناظرة هنا إلى كون المشتق الأصولي ينطبق عليه أيضا ما كان جامدا لدى النحوي، نظير الأمثلة المذكورة، كالملكية والزوجية وما شابه، تماما كما لا ينطبق على الفعل والمصدر وأسماء الذات، كما سبقت الإشارة إليه. فالمدار في المشتق الأصولي هو الحمل على الذات مع تحقق الشرطين المزبورين.
ويجري النزاع هنا في التباس مُجريات المشتق بين ما هو حقيقة فيما تلبس به المبدأ حالا، أم هو أعم من ذلك قديما واستقبالا، وذهاب البعض لاعتبار شرطه القيام بالذات دون غيره، وهو مدفوع بجريانه عُرفا فيما كان منتزعا صدورا أو حلولا أو اعتبارا، لما أدركتَ من نسبة العلم إلى واجب الوجود مع جواز حملها على ممكن الوجود، وإن كانت في الأول على نحو العينية وفي الثاني على نحو الاستقلال، فيما جرى من نقض لصاحب الكفاية على ما ورد في الفصول.
كما يبدو أنّ الالتباس جاري أيضا بخصوص تغلُّب المجازات في الاستعمالات التداولية على الحقيقة، وإن دُفع بكون كثرة المجازات للحقيقة الواحدة أو كون كثرة المجازات للمجاز الواحد، يمكن اختزال كل ذلك في إدراك التحول في المقاصد وانصراف الذهن إلى المعنى المخصوص بناء على القرائن. هذا إن لم نفتح النافذة على استشكال أعمق، بخصوص كون المعنى حقيقة فيما استعمل فيه دون اعتبار ما وضع له في الأصل، حيث في تاريخ الاستعمال وتَغَلُّب المجازات، ضاعت الأوضاع والأنساب. بل إنّ تقرير الحقيقة كأصل في المواضعة بات من فرط الانتشار والاستعمال، حكاية مجازية أخرى. كل حقيقة تتصرم بانقضاء الأخرى بالضرورة، فالحقيقة في الاستعمال باتت هي الأخرى زمانية، بل سيحيلنا هذا الأمر هوهو إلى قضية التلبس بالمبدأ في دور منطقي، حيث لو قلنا بعموم جريان المشتق فيما تلبس بالمبدأ قديما وحالا، إذن لقلنا إنّ تلبس المعنى بمبدأ الحقيقة المواضعاتية، يستمر فيما انقضى عنه التلبس المعنوي، فاللغة موضوعة لوقائع، والتعبير عنها هو حقيقتها التداولية، ولا مشاحة في الاستعمال.
إنّ الثمرة هنا تتجاوز البحث في أصول الفروع، بل يمكن أن تخدم مباحث هذا العلم أصول الكلام، حيث يهمني هنا الإشارة إلى ما هو جدير بالبحث، أي الأثر التكويني للتّلبُّس بالمبدأ، أيّا كان مستوى التّلبُّس، فوجب التفصيل في المقام. فقد عَلِمتَ الأثر التكويني لمن وظيفته الأوب والاستغفار، وذلك لأنّ لوجود آثار تكوينية للتّلبُّس، سواء ما مضى منه أو ما كان من إرادة التلبس في المستقبل. والقول بأنّ المشتق هو حقيقة في ما تلبّس بالمبدأ أم هو أعمُّ ، وارد في احتجاج العدلية في من تلّبّس بمبدأ عبادة الأصنام قديما، في مضمون الآية: (لا ينال عهدي الظالمين)،كما في ردّ الآخوند.
وعليه يجري المشتق على من في ذمّته فساد حكومي واعورار في التدبير على خلفية سوء النّية، ما موقف الشريعة في إعادة انتخاب من تلبّس بالفساد ، ما هو تكليف النّاخب، ماذا عن التّلبُّس بمبدأ تخريب السياسة الاجتماعية؟ ماذا عمن تلبّس بمبدأ الظلامية أو الإرهاب أو الهمجية أو استغل الدِّين في الاجهاز على صندوق المقاصة، وإن انقضى عنه التّلبُّس بالمبدأ بقوة انتهاء الفترة الموضوعية للتّلبُّس، وظلّت آثاره تعتمل في الأعماق السحيقة أو من لم ينقض عنه التلبس بالمبدأ إلاّ ادعاء ديماغوجيا وهروبا إلى الأمام؟
فالأحكام تتّبع العناوين والماهيات أو حالات الاستحالة وأحوال التّلبُّس بالمبدأ، يجري هذا من الطهارة حتى الدّيات، مرورا بالمتاجر والمكاسب.
إنّ التّلبس بالمبدأ مُكوِّن أساسي في التّشريع، فلا يُهمل إهمالا فتصبح الفتوى غير آبهة بما تحقق فيه التّلبس بالمبدأ أو انقضى عنه. وهو ما يعطينا فكرة عما يمكن أن نسمّيه بتاريخ التكليف ومتغيرات دالّته حسب أوضاع المُكلّف وطُروّ العناوين، التي هي أوضاع وعناوين غير مستقرة، وعلاقة المبدأ بالذّات متوتّرة. إنّ المشتق ينمّي شامّة تحقيق المسافة بين الذّات وما يُحمل عليها، تدبير الأدلّة في ضوء تشخيص تلك العلاقة وتحوّلاتها التفصيلية.
ولا قيام للمقاصد إذن، بمعزل عن استيعاب وتعقُّل المشتق ومسائله، وقد غاب المشتق عن مباحث المقاصد رغم التكرار المُمل، والجمود، وإعادة توزيع فكر مقاصدي لا يميز بين ما تلبّس به المبدأ وما انقضى عنه، ما يُحمل على الذات وما لا يحمل، ذلك لأنّهم بنوا على عُرف بلا شرط العُقلائية، وإن فعلوا ، فالعودة هنا للفطرة، التي لا زالت تعني عندهم الجهل الأوّل، وعليها بنى الحرّاني في نقضه على المناطقة، وعليها استند الغزالي في ردّ الادعاء إيّاه في المعيار. لا شيء سيحجب تلبسا قديما بمبدأ مُناكفة العقل في الأصول والأدلة، فالتلبس باللاّعقلانية لم ينقض، وهذا مصداق آخر للمشتق الأصولي.
ظاهرة للخبير غائبة عن البهاليل. فالعقلانية تراكمية لها مبتدأ وخبر، فلا يُعاد إنتاجها بأثر رجعي من المُحدَث، مع عدم انقضاء التّلبُّس باللاّعقلانية. وهذه واحدة من المباحث التي غابت عن المقاصديين الجدد، لم يقشعوا منها طيفا ولا عبرت مخيالهم هنيهة ، مكتفين بما تبسّط و"تسنطح" من محصول غير محقق أو منخول.وهاك شذرات من ذلك موجزة، واحد من أغراض هذه النزهة المختصرة، بيان خلو المقاصد المتلعلعة في "لافوار" سُرّاق الله، من صنعة الأصول المحققة، وثاني أغراضها فتح أفق لمزيد من تنمية القول في المشتق.وبيانه:إنّ علاقة الذّات بمحمولاتها المحتملة من الصفات الواردة عليها انتزاعا، سواء الذاتية المقومة لماهيتها أو العرضية أو الاعتبارية المنتزعة من التوافقات العُقلائية، ومدخلية ذلك في تشخيص حال المُكلّف إزاء الحكم الشرعي، كل هذا يثير نزاعا تعقيديا، لا يمكن اعتباره ضربا من التجريد، بل إنّه حصيلة تعقيد واقعي لا يُلمس إلاّ بتظافر زوايا النظر، ونظرا لغنى ثمراته العملية. مرة أخرى تظهر الحاجة إلى عبر-مناهجية، تدرس مدى حقيقة ما تلبّس بالمبدأ. وسنجد أنّ التغاضي عن هذه الفريدة في منطق الأصول، قد يوقع في مُلابسات شتّى.فلقد اعتاد الأصولي على تمييز المُشتق النحوي عن المشتق الأصولي، لما بين المفهومين من علاقة عموم وخصوص من وجه. وأُوثر إطلاق النحوي عليه هنا بدل اللّغوي، لأنّ النحو كالمنطق كالأصول، من حيث الاشتراك في غرض عام، من حيث هي صنائع صائنة عن الخطأ، صيانة النحو لسان المتحدث، وصيانة المنطق فكر النّاطق، وصيانة الأصول عملية استنباط الأصل والوظيفة وتدبير الأدلة الأربعة في مقام النوازل، فتأمّل. ومع أنّ النقاش في البدء لم يتجاوز المثالين: المشتق النحوي والمشتق الأصولي، حيث الأول يقابل الجامد والثاني يعني التلبس بالمبدأ، إلاّ أنّني لا زلت أعتقد أنّ غياب الاختزال المنطقي، جعلنا نتجاهل المشتق الرياضي( la dérivée)، الذي قد يفيد في بعض فصول النزاع، بل في جوهر حساب تغير قيمة الدّالة، لا سيما في موضوع إسم الزمان، حين يُحمل على الزماني لا الزّمان، فضلا عن أنّ كلّ قضية يمكن أن نُقاربها كدالّة رياضية. فالتلبس بالمبدأ أصوليا هو في جوهره دالّة، من حيث ضبط التّلبس هو في مقام حساب قيمة التغير اللّحظي في دالّة. فمخرجات محمولات دالّة من خلال حساب محمولات مُدخلاتها، هي مثال لمُدخلات ومُخرجات ما يمكن أن نصفه بالمشتق كدالّة أصولية. فالذات في المشتق الرياضي، مثلا لا تنمحي عند انقضاء التلبس بالحركة، لا أقصد انقضاء آناة الزمن، لضرورة أنه ماهية متصرّمة بالطبع، بل حتى مع رسوّ المتحرك، تنحفظ الذّات. فيما حَمْل إسم الزمان في المقام على زمانيٍّ، واضحة هنا، فيجري عليها التلبّس بالمبدأ.لا ينطبق المشتق الأصولي على سائر هيئات المشتق النحوي، والعلاقة التي بينهما على نحو العموم والخصوص من وجه، تظهر في كون المشترك بينهما في هيئة إسم الفاعل وحملها على الذات، وخروج المصدر المجرد أو المزيد، فهما لا يُحملان على الذات البتّة، وإن كانا مشتقين نحويان في الجملة، نقول في الجملة لتفصيل في المقام قديم بين البصريين والكوفيين حول ما هو الأصل: الفعل أم المصدر؟ فالكوفيون اعتبروا المصدر مشتقا من الفعل نظرا لتبعيته للفعل في الصحة والاعتلال، بينما ذهب البصريون إلى اعتبار المصدر كما تدل التسمية مصدرا لصدور الفعل، وحجتهم أنّ المصدر يشير إلى زمان مطلق بينما الفعل يدل على زمن خاص. وهناك تفاصيل حول ما إذا كان حقا الفعل، يدل على زمن مخصوص أم على فعل منجز في الخارج.وعليه، يتضح من هنا أنّ المشتق الأصولي يجري في موارد حمل الصفة على الذات مضاف إليه أن يكون حاكيا عنها، وأن لا يكون الحمل ذاتيا ينجم عنه ارتفاع الذات حين انقضاء الصّفة. فشرط جريان المشتق الأصولي أن لا يكون التلبس ماهويا أو مقوما للذات، بحيث يؤدي انقضاء التلبس إلى انحلال الماهية.إنّ علاقة العموم والخصوص من وجه، ناظرة هنا إلى كون المشتق الأصولي ينطبق عليه أيضا ما كان جامدا لدى النحوي، نظير الأمثلة المذكورة، كالملكية والزوجية وما شابه، تماما كما لا ينطبق على الفعل والمصدر وأسماء الذات، كما سبقت الإشارة إليه. فالمدار في المشتق الأصولي هو الحمل على الذات مع تحقق الشرطين المزبورين.ويجري النزاع هنا في التباس مُجريات المشتق بين ما هو حقيقة فيما تلبس به المبدأ حالا، أم هو أعم من ذلك قديما واستقبالا، وذهاب البعض لاعتبار شرطه القيام بالذات دون غيره، وهو مدفوع بجريانه عُرفا فيما كان منتزعا صدورا أو حلولا أو اعتبارا، لما أدركتَ من نسبة العلم إلى واجب الوجود مع جواز حملها على ممكن الوجود، وإن كانت في الأول على نحو العينية وفي الثاني على نحو الاستقلال، فيما جرى من نقض لصاحب الكفاية على ما ورد في الفصول. كما يبدو أنّ الالتباس جاري أيضا بخصوص تغلُّب المجازات في الاستعمالات التداولية على الحقيقة، وإن دُفع بكون كثرة المجازات للحقيقة الواحدة أو كون كثرة المجازات للمجاز الواحد، يمكن اختزال كل ذلك في إدراك التحول في المقاصد وانصراف الذهن إلى المعنى المخصوص بناء على القرائن. هذا إن لم نفتح النافذة على استشكال أعمق، بخصوص كون المعنى حقيقة فيما استعمل فيه دون اعتبار ما وضع له في الأصل، حيث في تاريخ الاستعمال وتَغَلُّب المجازات، ضاعت الأوضاع والأنساب. بل إنّ تقرير الحقيقة كأصل في المواضعة بات من فرط الانتشار والاستعمال، حكاية مجازية أخرى. كل حقيقة تتصرم بانقضاء الأخرى بالضرورة، فالحقيقة في الاستعمال باتت هي الأخرى زمانية، بل سيحيلنا هذا الأمر هوهو إلى قضية التلبس بالمبدأ في دور منطقي، حيث لو قلنا بعموم جريان المشتق فيما تلبس بالمبدأ قديما وحالا، إذن لقلنا إنّ تلبس المعنى بمبدأ الحقيقة المواضعاتية، يستمر فيما انقضى عنه التلبس المعنوي، فاللغة موضوعة لوقائع، والتعبير عنها هو حقيقتها التداولية، ولا مشاحة في الاستعمال. إنّ الثمرة هنا تتجاوز البحث في أصول الفروع، بل يمكن أن تخدم مباحث هذا العلم أصول الكلام، حيث يهمني هنا الإشارة إلى ما هو جدير بالبحث، أي الأثر التكويني للتّلبُّس بالمبدأ، أيّا كان مستوى التّلبُّس، فوجب التفصيل في المقام. فقد عَلِمتَ الأثر التكويني لمن وظيفته الأوب والاستغفار، وذلك لأنّ لوجود آثار تكوينية للتّلبُّس، سواء ما مضى منه أو ما كان من إرادة التلبس في المستقبل. والقول بأنّ المشتق هو حقيقة في ما تلبّس بالمبدأ أم هو أعمُّ ، وارد في احتجاج العدلية في من تلّبّس بمبدأ عبادة الأصنام قديما، في مضمون الآية: (لا ينال عهدي الظالمين)،كما في ردّ الآخوند. وعليه يجري المشتق على من في ذمّته فساد حكومي واعورار في التدبير على خلفية سوء النّية، ما موقف الشريعة في إعادة انتخاب من تلبّس بالفساد ، ما هو تكليف النّاخب، ماذا عن التّلبُّس بمبدأ تخريب السياسة الاجتماعية؟ ماذا عمن تلبّس بمبدأ الظلامية أو الإرهاب أو الهمجية أو استغل الدِّين في الاجهاز على صندوق المقاصة، وإن انقضى عنه التّلبُّس بالمبدأ بقوة انتهاء الفترة الموضوعية للتّلبُّس، وظلّت آثاره تعتمل في الأعماق السحيقة أو من لم ينقض عنه التلبس بالمبدأ إلاّ ادعاء ديماغوجيا وهروبا إلى الأمام؟فالأحكام تتّبع العناوين والماهيات أو حالات الاستحالة وأحوال التّلبُّس بالمبدأ، يجري هذا من الطهارة حتى الدّيات، مرورا بالمتاجر والمكاسب.إنّ التّلبس بالمبدأ مُكوِّن أساسي في التّشريع، فلا يُهمل إهمالا فتصبح الفتوى غير آبهة بما تحقق فيه التّلبس بالمبدأ أو انقضى عنه. وهو ما يعطينا فكرة عما يمكن أن نسمّيه بتاريخ التكليف ومتغيرات دالّته حسب أوضاع المُكلّف وطُروّ العناوين، التي هي أوضاع وعناوين غير مستقرة، وعلاقة المبدأ بالذّات متوتّرة. إنّ المشتق ينمّي شامّة تحقيق المسافة بين الذّات وما يُحمل عليها، تدبير الأدلّة في ضوء تشخيص تلك العلاقة وتحوّلاتها التفصيلية.ولا قيام للمقاصد إذن، بمعزل عن استيعاب وتعقُّل المشتق ومسائله، وقد غاب المشتق عن مباحث المقاصد رغم التكرار المُمل، والجمود، وإعادة توزيع فكر مقاصدي لا يميز بين ما تلبّس به المبدأ وما انقضى عنه، ما يُحمل على الذات وما لا يحمل، ذلك لأنّهم بنوا على عُرف بلا شرط العُقلائية، وإن فعلوا ، فالعودة هنا للفطرة، التي لا زالت تعني عندهم الجهل الأوّل، وعليها بنى الحرّاني في نقضه على المناطقة، وعليها استند الغزالي في ردّ الادعاء إيّاه في المعيار. لا شيء سيحجب تلبسا قديما بمبدأ مُناكفة العقل في الأصول والأدلة، فالتلبس باللاّعقلانية لم ينقض، وهذا مصداق آخر للمشتق الأصولي.
أرسلت بواسطة: أدارة الموقع | التاريخ: 20-04-2024 | الوقـت: 10:51:53 صباحا |
|